وزير الخارجية يؤكد ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل ينقذ سوريا من مخاطر التفتت

وزير الخارجية يؤكد ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل ينقذ سوريا من مخاطر التفتت

الدوحة – المكتب الإعلامي –  21 مارس

أوضح سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية أن معظم دول الشرق الأوسط تعاني منذ عقود، بدرجات متفاوتة، من عدم الاستقرار وضعف المشاركة الشعبية في القرار، وغياب العدالة الاجتماعية والحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان وفشل نظام الأمن الجماعي الدولي.

وأكد سعادته في كلمة ألقاها أمام منتدى الجزيرة العاشر، على أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط سببه الرئيسي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ أكثر من ستة عقود دون أن يبذل المجتمع الدولي جهوداً حقيقية لإنهائه ، بالرغم من انتهاك إسرائيل للقرارات والقوانين والأنظمة والأعراف الدولية.

       وقال سعادته "من المؤسف أن المجتمع الدولي لا يكتفي بموقف المتفرج على أعمال الاستيطان والبطش والتدمير والاعتقال والحصار التي تمارسها إسرائيل ، وبدل أن يضغط ويهدد بفرض عقوبات على إسرائيل، كما يفعل مع دول أخرى تمارس أعمالاً أقل عدوانية منها، يلجأ إلى الضغط على الشعب الفلسطيني الضحية، وتهديده إذا هو رفض هذه السياسات والممارسات الوحشية غير المشروعة التي ترتكبها إسرائيل والتي تخالف كافة الشرائع والأديان والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان".

   وتساءل سعادة وزير الخارجية في كلمته، عن سبب الكيل بمكيالين ولماذا يستخدم المجتمع الدولي ميزان القوة في تعامله مع النزاع العربي الإسرائيلي بدلاً من ميزان العدالة.

  وأضاف : هل من المعقول أن المجتمع الدولي مازال مخدوعاً بقول إسرائيل إنها تريد السلام بينما هي تماطل وتراوغ وتضع العقبات والشروط التعجيزية أمام مسيرة السلام وهي تعلم أنها غير مقبولة تنفيذاً لسياسة إسرائيل الثابتة للتسويق والمماطلة وكسب الوقت كهدف استراتيجي ينتج لها تغيير الوضعين الجغرافي والديموغرافي في الأراضي الفلسطينية.

       وأشار سعادته إلى أن المجتمع الدولي تبنى بأسره لمفهوم حل الدولتين، في سياق يكفل حل كل قضايا الوضع النهائي وهي القدس واللاجئون والأمن والحدود والمياه وفقاً للمرجعيات الدولية وطبقاً لمبادرة السلام العربية بعناصرها كافة، كإطار مرجعي لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة، موضحا أن إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام في الشرق الأوسط يقتضي من المجتمع الدولي ممارسة مختلف أشكال الضغوط على إسرائيل لحملها على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس.

  وأكد سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته بصورة موضوعية يسودها منطق العدل والإنصاف والشرعية الدولية في معالجة قضايا الشعوب بصورة عادلة وعاجلة وعملية عن طريق الحوار الجماعي وعدم ترك الأمور حتى تصل إلى حافة التدهور.

  وقال سعادته: في هذا الإطار فإن المأساة التي يعاني منها الشعب السوري الشقيق ترجع إلى تقاعس المجتمع الدولي في التعامل الحازم والجاد مع هذه الأزمة والذي يكشف عجز وفشل نظام الأمن الجماعي الدولي والمفارقة بين الالتزام الدولي الذي أقرت به الدول أعضاء مجلس الأمن للحفاظ على السلم والأمن الدولي ووضع معايير واعتبارات سياسية تخدم مصالح بعض الدول لدى تنفيذ هذه المسؤوليات ، ولا أدل على ذلك من منطق العدالة الانتقائية في التعامل مع القضايا واستخدام حق الفيتو على نحو يخالف أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين مما يكشف عن فشل المنظومة الأممية وعدم مصداقيتها وفعاليتها في أداء دورها الأساسي، وهو الحفاظ على السلم والأمن الدولي .

       وأكد سعادة وزير الخارجية على أنه بات لزاماً على المجتمع الدولي التوصل إلى حل سياسي شامل وإلى تغيير كامل في سوريا لإنقاذها من مخاطر التفتت مع ما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على الدولة والمجتمع السوري وعلى المنطقة ككل.

       وبين سعادته في خضم كلمته أن العالم أجمع ومنطقة الشرق الأوسط بخاصة يواجه التحدي الأعظم لتحقيق الأمن والسلم الدوليين وهو الإرهاب والتطرف ولاشك أن العديد من الأسباب كالفقر والبطالة والجهل جعل فئة الشباب هي الأكثر عرضة للتجنيد الطوعي وغير الطوعي من قبل الجماعات الإرهابية، لذا يتعين تمكين الشباب وتعزيز قدراتهم للاستفادة من طاقاتهم والابتعاد بهم عن البيئة الحاضنة للإرهاب والتطرف.

وشدد سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزير الخارجية على أن القضاء على ظاهرة الإرهاب في أي مكان لن يأتي إلا من خلال المعالجة الناجعة للبيئة التي تحتضنه وللأسباب العميقة التي تدفع الفرد إلى الإقدام على أعمال إرهابية، ويكون ذلك من خلال التسوية السياسية للنزاعات وإحقاق العدالة والأمن والاستقرار للجميع وعدم التهميش أو الأقصاء.

  وقال سعادته "إن مكافحة الإرهاب والتطرف وتجفيف منابعه يوجب علينا أن ندرك أن أحد أهم أسباب التطرف والعنف والإرهاب حتى عابر الحدود منه هو استمرار الاستبداد والاضطهاد والتهميش وتسليط آلة الحرب الباطشة ضد الشعوب ولنا أن نراجع كل المحاولات السابقة للقضاء على الإرهاب بطريق أحادي غير موضوعي لم تحقق إلا توسعا للإرهاب وقدرته على جذب الآلاف من الفقراء والمهمشين رغم أن بعض القوى الكبرى استخدمت في مواجهة تلك التنظيمات المتطرفة من إمكانات مادية ومالية وإعلامية ما كان يكفي لمعالجة جذروه الأساسية المتمثلة في اضطهاد الشعوب وتهميشها بل وسلبها حقها في تقرير مصيرها".

  وأضاف: من هذا المنطلق فإن معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية الذين يضطهدون شعوبهم أو بالمشاركة في اضطهاد شعوب أخرى من خلال دعم آلة القمع في تلك الدول مثل سوريا الشقيقة بات أمراً ملحاً وضرورة إنسانية دعونا إليها في محفلكم السابق وفي العديد من المحافل الإقليمية والدولية وها أنا أكرر دعوتي في منتداكم اليوم وتأكدوا أيها الجمع الكريم أننا إذا كنا بلا وضوح في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد شعوبهم فإننا بوعينا أو بدونه نسهم في توسع الرغبة في الانتقام وبالتالي يصبح التحول نحو العنف قاب قوسين أو أدنى.

  وأوضح سعادة وزير الخارجية أن الإسلام لا يشكل تحدياً ضد أمة أو شعب أو دين أو قانون من القوانين الدولية، وإنما العداء للإسلام وتجذر كراهية المسلمين وممارسات سياسة التمييز ضدهم هو الذي يشكل تحدياً حقيقياً، للعالم أجمع، ويهدد استقرار العلاقات الدولية وخصوصاً علاقات العالم الإسلامي بالمجتمعات الأخرى.

  وقال سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني "لست بحاجة لنفي ربط الإسلام بالإرهاب، وإلى التأكيد على أن الإسلام بمبادئه السمحة يكرس التسامح والتعايش بين الشعوب، ونشير بهذا الصدد إلى رسالة نيودسيوس بطريق بيت المقدس سنة 869م إلى زميله إجناتيوس بطريق القسطنطينية والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق، حتى انهم سمحو للمسيحيين ببناء مزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة وجاء في رسالة بطريق بيت المقدس بالحرف الواحد "إن المسلمين قوم عادلون" ونحن لا نتلقى منهم أي أذى أو تعنت.

       وأشار سعادة وزير الخارجية إلى أن العالم العربي لم يشهد طوال تاريخه أي عملية تطهير ضد الأديان والطوائف والأعراق وقال "بإمكاننا أن نرى اليوم عدد الطوائف والأديان التي تعيش في العالم العربي وتؤدي طقوسها وتقاليدها ولذا لا يمكن أن يربط تاريخ وحاضر العالم العربي بتلك الحركات والتنظيمات المتطرفة التي تمارس الإرهاب ضد شعوب المنطقة وطوائفها بما ذلك المسلمون أنفسهم.

  وأضاف سعادته: في هذا الإطار فإن المجتمع الدولي بحاجة ملحة لبناء آفاق تعاون متعددة بين مختلف الأمم والشعوب ومعالجة التوترات والنزاعات والقضاء على كل ما من شأنه أن يزيد في توسيع الهوة بين الأمم، لذا يتعين على جميع الدول التصدي لكل التيارات الهدامة التي تعمل على نشر الكراهية والتطرف والعنف.

   وبين أن عالمنا العربي يحتاج من المجتمع الدولي ومؤسساته والقوى والكبرى دعم تحقيق السلام العادل فهذه المنطقة تستحق كل هذا الدعم لأنها كانت دوما داعمة للتعددية والتعايش وحفظت ولاتزال تنوعها ويجب أن لا يسمح للمستبدين أن يتحكموا في مصائر شعوبها ومقدرات أوطانها.

وقال سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية "لعلكم تدركون معي أننا شهدنا على مدار الأعوام الماضية اهتماماً بالوسائل السلمية لحل المنازعات لكونها الفكرة البديلة عن الإكراه والعنف الذي ينشأ بين الدول المتنازعة وبخاصة الوساطة ولم يأت ذلك من فراغ بل من إيمان المجتمع الدولي بالدور الحيوي الذي تؤديه الوساطة في تسوية المنازعات".

       وأضاف "وفقاً للقناعة الراسخة لدى دولة قطر بحل النزاعات بالطرق السلمية وبناءً على المادة السابعة من الدستور الدائم لدولة قطر فإن دولة قطر لم تكتف في نهجها هذا بالقول فقط ، فقد أرست تقاليد في الوساطة السلمية ونجحت بجهود دبلوماسية مكثفة في احتواء العديد من حالات التوتر والخلافات الناشئة سواء في محيط منطقتها أو خارجها من أجل تحقيق السلم والأمن.

       وأوضح سعادة وزير الخارجية أنه انطلاقا من الإيمان الراسخ لدولة قطر بأن تحقيق التنمية السبب الرئيسي لتحقيق الأمن والاستقرار وتوفير سبل العيش الكريم للشعوب ويجعل الشباب في مأمن من الانحراف إلى الجريمة أو التطرف، لذا فإن دولة قطر لم تأل جهداً في الوفاء بالتزاماتها الدولية بشأن تقديم المساعدات التنموية والانسانية وذلك من خلال المساهمة بالمال والخبرة المتيسرة في مشاريع التنمية وإعادة الأعمار في المنطقة وخارجها ، بما في ذلك تقديم العون المادي والفني المتاح في حالات الكوارث الطبيعية.

       ولفت سعادته إلى أن الاستبداد والفساد وغياب حكم القانون وعدم إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية السبب الرئيس في انتفاضة شعوب عدد من الدول في المنطقة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن دولة قطر كانت سباقة إلى دعوة المجتمع الدولي إلى إنصاف هذه الشعوب ودعمها في تحقيق مطالبها المشروعة من أجل الحرية والكرامة ومن أجل مستقبل تحقق فيه طموحاتها في حياة أفضل تسودها العدالة والمساواة وقيم الحوار والتسامح ، وعدم الإقصاء الطائفي أو السياسي واحترام حقوق الإنسان.

   وقال "في هذا الإطار يتعين استيعاب دروس الأمس وذلك من خلال عدم فرض الهيمنة والاقصاء تحت إي شعارات عقائدية أو مسميات سياسية والعمل على تأسيس حوار وطني واسع وشامل تشارك فيه مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية .