بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الممثلة السامية السيدة موغيريني،
سعادة المفوض ستيليانيديس،
أصحاب السعادة الزملاء،،
أشكر سعادة الأمين العام غوتيريش، ووكيل الأمين العام لوكوك، والمبعوث الخاص دي مستورا، على حضورهم هذا الاجتماع الهام. ويسرنا أن نلتقي مجددا بشركائنا في هذا المسعى الإنساني الذي يعالج أزمة تعد الأخطر بين الأزمات في العالم، وتستحق اهتماماً ومتابعةً يتناسبان مع ذلك. وهذا ما تم من خلال المؤتمرات الدولية التي عقدت في الكويت ثم في لندن وأخيرا مؤتمر بروكسل الذي شاركنا في عقده.
لقد شهدت هذه المؤتمرات الإعلان عن تعهدات كبيرة من قِبل مختلف الدول. ولا شك أن الفائدة من التعهدات لا تتحقق إلا بالوفاء بها، كما أن حشد التمويل والمساعدات لا يجدي نفعا ما لم يتم إيصال المساعدات إلى مستحقيها. لذلك، يجب على المجتمع الدولي تكثيف الجهود لضمان إيصال المساعدات الإنسانية وعدم عرقلتها من قبل أي طرف كان. وهذا ما أكدت عليه قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالحالة الإنسانية في سوريا.
إن دولة قطر لم تدخر جهداً في الوقوف بجانب الأشقاء السوريين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم منذ بداية الأزمة، ولقد تعهدت دولة قطر في مؤتمر بروكسل بتقديم 100 مليون دولار أمريكي، وتم حتى الآن الوفاء بالجزء الأكبر من الالتزامات التي تعهدنا بها في مؤتمر بروكسل ومؤتمر لندن الذي سبقه. وليس ذلك إلا جزءً يسيرا من إجمالي قيمة المساعدات الإغاثية المادية والعينية التي قدمتها دولة قطر، التي بلغت 1.6 مليار دولار، من خلال الدعم الحكومي والجمعيات الخيرية القطرية، لتخفيف معاناة الشعب السوري داخل سوريا وفي دول الجوار، التي نشكرها ونثمن جهودها، وعلى المجتمع الدولي الاستمرار في دعمها لتتمكن من تحمل الأعباء الملقاة عليها.
وفي هذا الصدد، وفي ظل تحذيرات الخبراء والوكالات الدولية المعنية كاليونيسيف من ضياع جيل كامل من السوريين، وإدراكا منا لحقيقة أن حرمان الملايين من الأطفال والشباب السوريين من الدراسة هو أمر خطير وأحد أهم الأسباب المؤدية إلى التطرف والعنف والإرهاب، فقد قامت دولة قطر بمبادرات في التعليم والتطوير المهني بالشراكة مع منظمات إنسانية وإقليمية، بما في ذلك المبادرة القطرية لتعليم وتدريب اللاجئين السوريين لصالح 400 ألف مستفيد على مدى خمس سنوات، ومبادرة "علِّم طفلاً" التي بلغ عدد الأطفال المُستَفيدين منها حوالي 985 ألف طفل، هذا بالإضافة إلى ما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني القطرية. وبالإضافة إلى ذلك تم لمُّ شمل الآلاف من السوريين مع أسرهم المقيمة في دولة قطر.
أصحاب السعادة،
لا يمكن الحديث عن التداعيات الإنسانية للأزمة من ضحايا وأجيال ضائعة ولاجئين دون الحديث عن أهمية وضرورة إيقاف الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي أفرزت تلك التداعيات، والتي لا زالت مستمرة إلى يومنا هذا، سواءً على يد النظام السوري أو تنظيم داعش، وهو ما توضحه تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بمسؤولية قوات النظام وداعش عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وأكد التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية المستقلة مسؤولية قوات النظام عن استخدام أسلحة كيميائية في بلدة خان شيخون في شهر أبريل الماضي.
إن المساءلة عن هذه الفظائع والجرائم المرتكبة في سوريا هو مسؤولية على عاتق المجتمع الدولي من أجل تحقيق مبدأ العدالة، وردع الجناة عن الاستمرار في ارتكاب تلك الجرائم، وإزالة العوائق أمام استدامة ونجاح حل الأزمة والانتقال السياسي والتوافق الوطني. ونؤكد هنا أهمية تفعيل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا منذ مارس 2011، والتحرك نحو إجراءات جنائية مستقلة وعادلة، وبما يخدم حل الأزمة السورية. وقد ساهمت دولة قطر بدعم الآلية الدولية بمبلغ مليون دولار أمريكي.
أصحاب السعادة،
وتوازياً مع تلبية احتياجات اللاجئين والنازحين السوريين، والسعي نحو الانتقال السياسي، نود أن نشير إلى ضرورة التحضير منذ الآن لمرحلة ما بعد الحل سياسي ووقف العنف، والتي ستتطلب بذل جهود لدعم التعافي وإعادة الإعمار وإصلاح ما تدمر من البنى التحتية والمؤسسات الأساسية. ولا شك أن ذلك الدعم يتطلب وجود عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي إلى انتقال سياسي مستدام، وهذا ما دعونا إليه منذ البداية، ونجدد هنا دعمنا للجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة على أساس بيان جنيف1 وقرارات مجلس الأمن بما فيها القرار 2254، وتحقيق تطلعات الشعب السوري في الأمن والاستقرار والوحدة أرضاً وشعباً وتقرير مصيرهم وفقاً لإرادتهم دون الوقوع تحت أية ضغوط.
دولة قطر تدعم الجهود الرامية لتحقيق التهدئة ومنع التصعيد ووضع حد للعنف، وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وآخرها المساعي الجارية في أستانا. ونؤكد أن تلك المساعي ليست بديلا عن مفاوضات جنيف التي يجب استئنافها في أسرق وقت ممكن، ونطالب النظام بتحمل المسؤولية والتعامل بجدية مع هذه المفاوضات بدلا من الاستهتار بأرواح الشعب السوري الشقيق.
ونؤكد على أنه لإنجاح اتفاقات خفض التوتر من المهم تأمينها ودعم الاستقرار فيها بالاستفادة من المجالس المحلية. ونأمل بأن تجنب تلك الاتفاقيات الشعب السوري مسلسلا إضافيا من سفك الدماء وارتكاب الجرائم والفظائع البشعة.
وشكرا.