شكرا لك يا سيد / ديمتري سايمز على استضافتك الكريمة لنا اليوم.
سيداتي سادتي،
أصبح العالم مؤخرا وهو يتابع الأخبار يرى صورا من منطقتنا مليئة بالدراما والخلافات، فلم يكن دائما بهذه الطريقة في السابق. فقد كانت المنطقة مكانا للرفاهية بفضل جهودنا المشتركة لتعزيز قيم التعايش السلمي.
انتهى ذلك الوقت الآن، وحلت محله فترة تتسم بضيق الأفق والشمولية والعدوان. وتحول الشرق الأوسط من كونه مركزا للتواصل والتنوير إلى منطقة تعمها الاضطرابات. خلال هذا العصر المظلم من العدوان انتعش التطرف، وأصبحت الحكومات تسعى نحو السيطرة وتكريس النفوذ وتخويف الدول الأصغر حجما في محاولة لتركيعها والسيطرة عليها.
لم تعد العصور المظلمة من الماضي البعيد .... فقد عادت وتحدث الآن، وما الحصار غير القانوني المفروض على بلدي منذ ستة شهور إلا مثالا واحدا من لعبة النفوذ هذه. لم يكن الحصار بسبب تلك الطلبات غير الحقيقية ولكنه يمثل تجسيدا لتهديد الدول لقيم الحرية والسيادة.
تم إطلاق تلك التهديدات ضمن لعبة خطرة من استعراض القوة ضد العديد من الدول بما فيها اليمن والصومال وليبيا ... والآن لبنان. إنه عدوان جامح.
يبدو أن هذه القوى مستعدة لاستخدام وسائل لا ضابط لها لتخويف الآخرين مثل إسكات الخصوم وخلق أزمات إنسانية وقطع التواصل واستغلال الأسواق المالية والتنمُّر على الدول الأصغر حجما والابتزاز وتفكيك الحكومات وإرهاب المواطنين وتهديد قادة الدول الأخرى ونشر الدعاية والشائعات والأكاذيب.
وفي جميع الأحوال يقوم بعض الصحفيون ومراكز الدراسات بالتضحية بالأمانة الصحفية والمعرفية المنوطة بهم لتحقيق أهداف من يدفعون لهم. لماذا وضعت هذه الأنظمة القوية قطر نصب أعينها؟ نحن دولة صغيرة الحجم في منطقة الشرق الأوسط محشورة بين قوتين كبيرتين هما إيران من الشمال والسعودية من الجنوب.
ثم هناك الإمارات من الشرق، وهي أكبر شريك تجاري لإيران ولكنها في نفس الوقت تقوم بدور المتواطئ مع السعودية..
منذ عشرين سنة قررت قطر أن تخطو بشجاعة في طريق الاستقلال. وفي حين عاد جيراننا إلى العصور المظلمة المتمثلة في الدبلوماسية المغلقة وتكريس النفوذ قررت قطر أن تخط طريقا نحو الانفتاح، وأدركت أن أفضل طريقة لتحقيق السلام يمر عبر التعاون الدولي والمشاركة.
أدخلنا على سياساتنا تغييرات كنا نعلم أنها ستجد مقاومة في منطقتنا، وقد صدق حدسنا. كان من الصعب الحصول على حقنا في أن يكون لنا سياسة خارجية مستقلة قد تختلف عن سياسات جيراننا المتحجرة خلال العقدين الماضيين، وبدأت معاقبتنا على سعينا لتحقيق استقلالنا.
كان السبب الذي تعلنه دول الحصار لأزمة الحليج الحالية واهيا، لأن قطر في الواقع هي أحد قادة الحرب على الإرهاب. ودول الحصار تعرف ذلك حق المعرفة.
حقيقة أزمة الخليج هي أن حصارا فُرِض على بلدي في محاولة لخنق جهودنا لمقاومة تكريس النفوذ في المنطقة. إن ما بدأ قبل 6 شهور كأزمة وخيانة أصبح اليوم أسوأ من ذلك.
أنا أزور الولايات المتحدة ولدي تصور عن الأزمات التي تظهر يوميا في منطقتنا. تحاول دول الحصار لي عنق الحقيقة من خلال إغراق وسائل الإعلام بسيل من الأكاذيب عن بلدي، ولكن الآن وبعد مرور 6 شهور بدأت الحقيقة تظهر.
نحن نعرف القليل عما يدور خلف الكواليس حيث غاصت دول الحصار عميقا في العدوان إلى أن وصلت إلى الهجمات الإلكترونية والتلاعب بالأسواق ومؤامرات تدمير قطر اقتصاديا، وإن عدم احترام القانون الدولي وغياب آليات الإنفاذ جعل منطقتنا حقلَ تجاربٍ للمغامرين المتعطشين للسلطة. فالفاعلون الإقليميون يتصرفون بشكل غير مسؤول، ويغامرون سياسياً بحياة مواطني الدول الأخرى، دون أن يمتلكوا أي استراتيجية للخروج.
أن الأمر لا يقتصر على غياب الحكمة بل يتعداه إلى استغلال جوع الأطفال كرافعة لتحقيق الأهداف وقبولها للفظائع المستمرة في سوريا والطريق المسدود الذي أوصلت إليه اليمن، تتجه هذه القوى الآن إلى لبنان
هذا سلوك منهجي ...و نمط متهور من أجل السلطة، مع تجاهل تام للمعاناة التي تنجم من أعقاب ذلك. هذه المعاناة تشمل الفرص الضائعة في الحرب ضد الإرهاب. وإن دول الحصار، التي من بين القوى الفاعلة في المنطقة، لديها سلوك منهجي يحول دون تحقيق الجهود المشتركة للولايات المتحدة وقطر وجميع شركائنا العالميين للمكافحة الإرهاب.
إن دول الحصار المتعطشة للسلطة، وعدم ادراكهم لما ينجم من ذلك، تدمر الاستقرار والأمن الإقليميين.
هذه السلطة تساعد على ازدياد الإرهاب. كما ترون، هذه ليست الدول المحاصرة التي تديرها مؤسسات متزنة وقادرة، ولكن تدار من قبل أفراد يسعون للسلطة من خلال استخدام مجموعة من التقنيات، و الحرب الإلكترونية وتحريض القبلية.
ويمكنني أن أشاطركم، كمواطن من هذه المنطقة المضطرة، بأن أولئك الذين يسعون للسلطة، يخلقون الأزمات.
المناورات السياسية، والتدابير العدوانية، والضرر الإقليمي يتيح للمتطرفين ملء الفراغ المتواجد.
إن العصر المظلم للاستبداد في الشرق الأوسط هو على عتبة أبوابنا. إننا نشاطر الولايات المتحدة والمجتمع الدولي القلق إزاء الأمن الإقليمي عندما تقوده القيادة المتهورة في الشرق الأوسط.
يجب أن ينتهي العدوان.
إذن الي أين نذهب من هنا؟ سأضيف إلى المشكلة إذا فشلت في تقديم اقتراحات لبناءة المسار المستقبلي. وبينما نحن وإن كنا بلدا صغيرا فقد حققنا تغييرات هائلة خلال العشرين سنة الماضية يمكن أن نشارك العالم تفاصيلها وأهم ما تعلمناه منها.
نحن ما زلنا نعمل على المزيد من التغييرات ولكني أردت أن أشراككن بعض الدروس المستفادة من قطر:
- ممارسة الحكم الرشيد من أجل بناء الثقة بين الناس وقادتهم، يجب تشكيل عقد اجتماعي ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال احترام كرامة كل مواطن وإعطائه سيادة القانون والإجراءات القانونية الواجبة. فالقيادة الشفافة والاستثمار في رأس المال البشري يزرعان بذور الازدهار في المستقبل.
- العمل على الإصلاح مع الاعتدال وينبغي أن تحدث الإصلاحات دائما، ولكل أمة الحق في تحديد ثقافتها وتقرر ما هو التغيير المطلوباتخاذ القرار بشأن ما يجب الحفاظ عليه وما الذي يجب المضي قدما وما يجب تغييره يتطلب قيادة مدروسة.
إلا أنّ الإصلاح الذي يفرض بقوّة الاجبار والتخويف وإسكات الأصوات يشكل قنبلة موقوتة، فالإصلاحات المتطرفة التي تجبر على السكان يخلق ردة فعل عنيفة وطريق الإصلاح يكون أكثر ثباتا إذا اتسم بالاعتدال والحكمة.
- استنفاد جميع الوسائل الدبلوماسية.
فإن الحرب والعنف والنزاعات لا يخلقان سوى المعاناة.
تجنب المعاناة التي لا داعي لها بالوسائل السلمية ويمكننا أن نجد طرقا للعيش معا و بسلام، وعلى الأقل، يجب أن نواصل المحاولة.
ونحن في قطر نؤمن بهذه المبادئ ونعمل على تحقيقها. ونرى أن هذه القيم طرحت هنا في الولايات المتحدة ومع شركائنا الدوليين الآخرين، وهذا هو السبب في أننا نشكل تحالفات معهم.
وفي الختام، بدل أن تسعى تلك الدول القوية لفرض عضلاتها للهيمنة والسيطرة على بلدان أخرى ، آمل أن تسعي لخدمة جيرانها. إن قطر تريد أكثر من مجرد استقرار للمنطقة ... نريد أن يزدهر الشرق الأوسط.
رؤية قطر للشرق الأوسط هي العودة إلى التعايش السلمي، حيث يلتقي الشرق والغرب معا، وحيث يمكن أن تكون قطر مركزا للسلام في زمن أكثر استنارة.