قبل أن نبدأ في نقاشنا، ولكي نفهم بصور أفضل الجغرافيا السياسية الجديدة للشرق الأوسط، يجب علينا أن نتساءل أولاً:
كيف تحولت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من زمن الإصلاح السياسي المحتمل الى زمن الصراعات والنزاعات وكما يشير عنوان هذا النقاش " الخلافات المتنامية"؟
إذا تناولنا الأمر من الناحية السكانية، يسكن ما يزيد عن نسبة ال 6 في المائة من سكان العالم في منطقة الشرق الأوسط، ويشمل المسلمين والمسيحيين والعرب والأكراد.
وبالطبع هؤلاء الناس الذين يبلغ تعدادهم 57,6 مليون نسمة في حاجة لمساعدات إنسانية، كذلك فأن عدد 17,7 مليون نسمة منهم أما نازحين داخليا أو لاجئين هاربين من النزاع والاضطهاد!
نعم، من المهم مناقشة توازن القوى في زمن التوترات المتصاعدة بين الأطراف الإقليميين الفاعلين، ولكن، الأمر الأكثر الحاحا هو مناقشة مصير ملايين الأسر والمجتمعات التي تعيش في ظل الاضطهاد في الشرق الأوسط.
أن المنطقة ترزح تحت وطأة نفوذ طاغٍ لعوامل رئيسية من عدم الاستقرار، وبالتحديد التصعيد المستمر والحصار المركب ضد الشعب الفلسطيني. فغياب الحل العادل وفقدان الأمل في أي خطوة تصحيحية من المجتمع الدولي لإنهاء أحد آخر الاحتلالات على الأرض هو في حد ذاته عامل عدم استقرار في الشرق الأوسط.
أن الطغيان يعتبر القوة المحركة خلف التهميش السياسي والاجتماعي، والاضطهاد العنيف والأكثر أهمية من ذلك هو تصاعد معدل الإرهاب العابر للحدود.
أسفر عن الارهاب حدوث جو من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، والفوضى، وعدم الاستقرار. وهذا بدوره عمل على إيجاد جو ملائم لجميع أنواع المصالح المدمرة، بدءا من المنظمات الإرهابية التي وجدت مرتعا خصبا بين الفئات المحبطة والمحرومة.
وفي حالة سوريا، فإن وحشية النظام غير المسبوقة وفشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين من القصف الهائل نتج عنه حالتان رئيسيتان: الأولي، عسكرة الثورة المدنية الأصلية وتحولها، والثانية، تصاعد نفوذ الجماعات الخارجية التي استغلت الفراغ في السلطة، واكتسبت أراضٍ في كل من سوريا والعراق.
تاريخياً، فقد كان التعايش بين مختلف الأديان والطوائف والأعراق عامل إثراء لثقافتنا ومجتمعنا. بيد أن تسيس الخلافات الطائفية إنما هو ظاهرة حديثة، وقد استخدمت للأسف واستنسخت من قبل القوى الإقليمية والدولية، وقد شجعها في ذلك التنافس القائم بين الدول.
اعتقادنا الراسخ هو أنه لكي نتصدى لتداعيات تغير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، لا بد لنا من اتباع نهجٍ مزدوج تجاه الجهود الدولية الجماعية. وفي حاجة كذلك لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات وبالتحديد الأنظمة القمعية في سياق مكافحة التطرف العنيف والإرهاب.
اسمحوا لي أن أؤكد لكم بأن إيجاد رؤية مشتركة لمستقبل شامل للجميع في الشرق الأوسط، قائمة على أساس احترام حقوق الإنسان ونبذ الإرهاب والاستبداد على حد السواء، هي أملنا الوحيد لحماية مصير شعوب المنطقة.